منطقة الغرفة
مدينة من مدن وادي حضرموت تبعد عن سيؤن بنحو 9 كيلومتر يسكنها اليوم حوالي 20 ألف نسمة وبها أكثر من أربعين مسجداً وأربع مدارس أساسية وثانوية، ونادي السلام الرياضي الثقافي ورباط الإسعاد ومدرسة طرموم لتحفيظ القرءان الكريم.
تاريخ التأسيس وسبب التسميه
تأسست عام 701هـ عندما نزل بها الشيخ عبد الله بن محمد بن عمر باعباد (القديم الثاني 672هـ – 763هـ) وقد اشتهر بفضله وكرمه وعلمه وإحسانه وحمله للمغارم ودفعه للمظالم فلا يزال واليه يعود الفضل لتسمية المدينة باسم (الغرفة) وهو الذي قام – بهدف دعوي وارشادي – ببناء غرفة في جنوب منطقة (باثور أوالمحلة ) التي حكمتها أسرة آل باجمال وهي أسرة علم وفقه ومن اشهر قبائل بني كندة ،وأصبحت هذه الغرفة ماوى للراحة للجموع الوافدة الى حضرموت ، وقبلة لطلاب العلم،و وسرعان ماتوسع ذلك المبنى الصغير، فبنيت بجانبه المزيد من الغرف والملاحق ، فاصبحت المنطقة مأهولة ،فاتتقل اليها الناس وبنوا فيها منازلهم وشيدت فيها المساجد والأسواق ،فتحولت إلىمدينة ذات اسوار وشأن علمي واقتصادي كبير .
ومن أشهر ساكنيها إلى جانب آل باعباد : المشايخ آل باجمال: وهم أول من سكن باثور بالغرفة أشهرهم الفقيه عبد الله بن محمد باجمال.
وقد انتقل اليها العديد من السكان الاوائل منهم آل الجرو وآل باعامر وآل باظريس وآل عطوفه وآل باحشوان وآل بلجونوآل بافضل وآل بلرقعان وآل الحبشي وآل باسلمة وآل مسلم والعبادي وآل بلفاس وآل عبدات وآل باعامر وآل شيبان وآل طرموم وآل باحلوان وآل باشادي وآل جوبان وغيرهم.
معالم الغرفة
من أشهر معالم الغرفة: مسجد الجامع الذي هو عبارة عن مسجدين أحدهما لآل باجمال والآخر لآل باعباد ويرجع تاريخه إلى عام 834هـ، وكان عادة أهل حضرموت تحري الحلال خاصة في بناء مساجدهم ولذلك اشتهر أن يشترط المتصدق في عمال بناء المساجد أن يكونوا ممن يؤدون الشعائر التعبدية بل قيل أن حجارة بعض مساجد الغرفة نقلت من وادي عدم نواحي ساه خوفا من أخذ حجارة من أحد المثاوي فلا يحل أخذها. ومن معالم المدينة ( قصر دولة بن عبدات) وحصون ( ديار آل عبود) المطلة على المدينة من الجبل جهة الجنوب وكذلك ديار وقلاع( حصن ال فاس) موقع قبيلةال بلفاس الكثيرية المناوأة لابن عبدات جهة الشرق للمدينة وقلاع وقصور وحصون منطقةبابكر موقع قبيلة بن عبدات الكثيري المنحدر منها حاكم الغرفه جهة الغرب إلى جانب مساجدها العتيقه وماتم نحته من آيات قرآنية ومعلومات على جدرانها وأبوابها ونوافدهاوزواياها التي تحكي جوانب مضيئة في حياة هذه المدينة مثل مساجد ( باعلوي – وباجريدان – وباعامر ) وغيرها من القباب كقبة العلامة عيدروس بن عمرالحبشي )والمنارات والأربطة والبيوت القديمة مثل(بنقلة آل باظريس)الواقعة في السوق القديمبالمدينة ، وقد حظيت المدينة باهتمام المستشرقين للتعرف على على مكنوزات مكتباتهامن المخطوطات ، مثل مكتبة العلامة عيدروس بن عمرالتي تزخر بالكثير من المخطوطات القيمه والهامة والتي أشرف على تنظيمها المؤرخ والمحقق (عبدالله محمد الحبشي )
المدينةالثائرة
اختلفت المصادر في رواية بعض من تاريخ الغرفة وظهرت واحدة من أخطر الفتن التي شهدها الوادي بملابساتها المعقدة حيث اختلفت آراء المؤرخين في طبيعتها:ففي حين اعتبرها البعض إعلان عن ولادة أول حركة وطنية حضرمية ضد المستعمر البريطاني (أنظر كتاب وثائق الندوة العلمية التاريخية حول المقاومة الشعبية في حضرموت 1900م- 1963م ص: 35) اعتبرها آخرون جزء من صراع العشائر والبيوت والأسر على الحكم والقيادة (وانظر التاريخ العسكري لسلطان ناجي ص: 146)
بؤرة للعلم والمعرفة
احتضنت الغرفة العلم والعلماء من خلال المبنى الصغير (الغرفة) حيث ظل الطلاب يتلقون العلم الشرعي ودروس الفقه على يد الشيخ العلامه المؤسس عبدالله محمد باعباد،وعندما كان الاقبال واسع توسعت الغرفة وتم بناء العديد من الغرف والملاحق الاضافية لتستوعب المزيد ليأتيها طلاب العلم من أنحاء حضرموت ، حيث اكدت بعض المصادر ان الشيخ كان يصنع في الليلة الواحدة اكثر من (400) رغيف خبز لطلابه الذين وصل تعدادهم إلى اكثر من(1600) طالب علم ، ولما كان للمؤسس سلامة المقصد وأمانة الكلمة فقد تتابع من ذريته وأهله من حمل شرف الدعوة ونبل الرسالة حيث ظلوا يؤدون الأمانة إلى يومنا هذا فظلت الغرفة تحتفظ بمكانتها كمركز اشعاع علمي مثلما أراداها مؤسسها الأول والعلماء من آل باجمال وآل باعباد وآل الحبشي الذين وهبوا انفسهم للدين وحافظوا على نشر تعالميه .
ومع التوسع المتزايد تم تأسيس أول مدرسة في الغرفة وهي المدرسة الدعوية الخيرية سنة 1344هـ على يد القاضي الشيخ عبدالرحمن عبدالله باعباد والتي قامت على منهاج المدرسة الخيرية باندونسيا التي اسسها بعض الحضارم المغتربون هناك حيث تحولت إلى مبنى جديد بتمويل الشيخ عبدالله عبدالرحمن طرموم وهو من اغنيا بلدة الغرفة انذاك والتي سميت فيها بعد باسمه (مدرسة طرموم الخيرية سنة 1368هـ وهي لازالت الى اليوم موقوفة لصالح العمل التعليمي الخيري وتقع وسط المدينة بجانب الجامع ،حيث تخرج فيها المئات من ابناء بلدة الغرفة وضواحيها ، واليوم ازداد التعليم اتساعاً وانتشاراً حيث يذهب صباح كل يوم اكثر من (5000) طالب وطالبة الى مدارسهم المختلفة التي توزعت في المدينة لتصل الى ست مدارس اساسه للبنين والبنات و ثانويتان واحدة للبنين والأخرى للبنات وروضة للأطفال فضلاً عن طلاب الجامعة والكليات المختلفة ناهيك عن عدد من المدارس والأربطة والمراكز التعليمية والمهنية المختلفة
علماء وأعلام
تزخر المدينة بالعديد من العلماء والدعاة والمثقفين والمؤرخين حتى قيل عنها بانها بلدة القاده فهناك العلماء الاوائل منهم الفقيه الشيخ عبدالله محمد عبدالرحمن باعباد (القديم الأول ) والمولود في 616هـ ، حضر دروس علماء اجلاء مثل باعلوي وابي الجعد وابي الغيث ،وتتلمذ على يده مشائخ وفقهاء مثل (باكريت – وبالغريب – وابن بريك- وابن ثابت – والتريمي ،أحبه الناس ، توفي في ذو الحجة 687هـ ، من مشائخ وعلماء أسرة ال باعباد أيضاً مؤسس مدينة الغرفة عام (701) هـ العلامه والداعية عبدالله بن محمد بن عمر باعباد (القديم الثاني) والمولود ٦٩٢ هـ ، تتلمذ على يده الكثير من الفقهاء منهم ( ابن حرب- والمقدسي ) له مآثر منها بناء المساجد ونشر العلوم والدعو’ وتنظيم حلقات العلم ، ذكره عدد من المؤلفين مثل الشيخ سعيد الشواف ( قصعة العسل ) والبيحاني (أشعة الأنوار ) وعبود بن عمر باعباد (الكوكب الوقاد ) ، توفي ودفن في شبام سنة (736) هـ .
ومن أسرة آل باحمال هناك مشائخ ودعاة كبار ، أمثال ًًًًلشيخ محمد عبدالرحمن سراج الدين باجمال (1019) هـ وهو داعية ومحقق كبير عاصر الشيخ معروف له من الكتب الكثير مثل (مواهب البر الرؤوف .. في مناقب الشيخ معروف وايضاً (الدرر الفاخر .. في اعيان القرن العاشر ) وكذا كتاب (مقال الناصحين ) . ومن أسرة العلويين العلامه أحمد بن زين الحبشي مؤسس حوطة أحمد بن زين المتوفي (1144)هـ فقيه وعلامة معروف بناء مساجد (باعلوي والروضة) ؛ وكذا الفقيه المشهور العلامة (عيدروس بن عمر الحبشي ، شاعر ومؤلف في علم السند والتاريخ له عدة مؤلفات في مكتبة الأحقاف وله مكتبة بالغرفة ، مدفون في القبه الموجوده بجانب جامع الغرفه ورباط الأسعاد. ومن أعلام البلده ايضاً الشيخ سالم بن عبدالله باعامر له يد طولى في بناء المساجد و حب الخير ونشر الدعوة والصلاح ، مدفون في القبه على الخط العام بجانب مقبرة الغرفة .
ومن أعلامها المتاخرين في نشر العلم الشيخ القاضي عبدالرحمن بن عبدالله باعباد مؤسس مدرسة الدعوه الخيرية 1344هـ ، وكذا الشيخ المحسن عبدالله عبدالرحمن محمد طرموم الذي بناء مدرسة (طرموم الخيرية) 1368هـ ، ومن مثقفي البلده وأعلامها الشيخ عمر بن سالم باعباد الذي له العديد من الدراسات والكتب ويعد مرجعية في التاريخ من مؤلفاته (حضرموت والأحداث) (حضرموت والتاريخ) من مواليد 1919م وتوفي عام 1995م ،عاصر أحداث كثيرة في زمن ابن عبدات والدولة الكثيرية . واخيراً العلامة والفقيه الذي اسودت الغرفة عند وفاته وعرفت البلده اضخم موكب جنائزي في وداعه وابكى رحيله الكبار والصغار انه العلامه الشيخ عبدالله بن محمد عبدالرحمن باعباد قاضي وخطيب وداعية وعالماً ومؤلفاً خطيب المنابر والجوامع وباني المساجد وناشر دروس الفقه فيها ، مؤسس رباط الأسعاد لتعليم خير العباد المتوفي في 8 ذو الحجة 1425هـ.
20عاما من حكم بن عبدات للغرفة 1924م – 1945م
قام عمر عبيد عبدات المدعوم من أخيه الثري صالح عبيد بتسخير ثرواته التي جمعها في جنوب شرق آسيا لتحقيق طموحه هو الآخر في بناء إمارة في مدينة الغرفة عام 1924م ومما عزز هذا الطموح أن أصبحت الغرفة مقرا للعناصر المتنورة والمثقفة من المعارضة للأوضاع وذات الخبرة والتجربة حيث وجد هؤلاء المناهضين للفوضى المساواة في الحقوق والواجبات بين الناس فانظم إليها في العقد الرابع من القرن العشرين الأستاذ العلامة الفقيه محمد عبيد عبود القادم من إندونيسيا والقاضي محفوظ سعيد المصلي اليافعي قاضي شبام وضواحيها.
لكل تلك الأسباب أزدهرت هذه الإمارة ولكن ذلك أثار الفخائذ الشنفرية وخاصة آل فاس المجاورين وآل كثير والقيعطي بل والسلطات البريطانية المستعمرة فاتفقت على حصار بن عبدات وإخراجه من الغرفة عنوة، فكانت محاولات الصلح ثم الحرب المسلحة لاقتحام الغرفة منذ عام 1928م ولكن الحملة فشلت وتغنى بفشلها الشعراء مما زاد شعبية بن عبدات. وبعد توقيع اتفاقيات الحماية من قبل المستعمر البريطاني مع القعيطي عام 1937م ثم مع الكثيري عام 1939م أراد المستعمر أن يـجعل من بن عبدات عبرة لمن يعتبر من القبائل المتمردة فبدأ مخطط الهجوم المسلح بمختلف الأسلحة فكانت أشهر التطورات :
في شهر فبراير عام 1939م توفي الممول للإمارة الرجل الثري صالح عبيد عبدات في إندونيسيا وفي شهر يونيو من نفس العام توفي مؤسس الإمارة عمر عبيد عبدات بالغرفة فخلفه عبيد صالح وكان هو الآخر طموحا جاء إلى السلطة والصراع على أشده وأدرك أن المستعمر لن يسمح له بإقامة إمارة مستقلة ولكن ظروف الحرب العالمية سبتمبر 1939م وتغير موازين القوى العالمية بظهور النازية وزيادة التهديد الإيطالي في شرق أفريقيا للنفوذ الإنجليزي كانت كلها لصالح بن عبدات فكان المجال لجهود الصلح المحلية وخلالها كان المستعمر يـجمع المعلومات ويتحرش بأنصار الإمارة من قبائل الحموم في غيل بن يمين ويهدد بشن حرب إبادة بواسطة منشورات كانت الطائرات البريطانية تسقطها فوق الغرفة خلال عام 1940م، وفعلا فرض حصار اقتصادي على الغرفة. وفي عام 1945م استفادت بريطانيا من قواتها العائدة بنشوة النصر على الحلفاء من العلمين في الحرب العالمية فتكونت لها قوة من جيش عدن (الليوي) والجيش الهندي التابع لولاية حيدر أباد وجيش النظام القيعطي وقوة من الجيش غير النظامي وسلاح الجو الملكي وشنت هجوما عسكريا معززا بالطيران والمدفعية والدبابات دك المدينة صباح يوم 6 مارس 1945م وأطبق الحصار من الغرب والشرق والشمال وقُتل محبوب البدوي قائد العمليات العسكرية لابن عبدات وهو يقوم بعملية استطلاع في ديار آل فاس فكان لوفاته أبلغ الأثر في سير الأحداث. وفي صبيحة يوم 23ربيع أول 1364هـ الموافق 7 مارس 1945م لاحت الأعلم البيضاء على أسوار الغرفة معلنة الاستسلام، وسلم عبيد صالح نفسه للقوات البريطانية بعد مقاومة باسلة وصفها الشاعر خميس كندي وصفا رائعا بشعره الشعبي حين قال:
ردوش يا لغرفة كما برلين
مستر جرامس هو وشمبرلين
بن صالح مبارك لقالش رسم
عاند بش قرانه
هم قايسوش العبر
من ضرج القنابل باتودين
كما قال آخر واصفاً الغرفه بعد الدمار للمنازل والمزروعات
قصة طويله مالها فكه
ما راثي إلا لمن هو حال في الغرفة
دوب المغسل يغسل
والشرب خمين
خلى جروب الحسن بالمسيال يساقين
خرج عبيد صالح من الغرفة على متن سيارة مجنزرة إلى مطار القطن ومنه إلى عدن بالطائرة ثم إلى سنغافورة بجنوب شرق آسيا حيث عاش بقية حياته حتى توفي في مدينة باتافيا عام 1963م رحمه الله رحمة الأبرار.
