تاريخ حضرموت

الحضارم والمعارف الملاحية البحرية

الحضارم والمعارف الملاحية البحرية

عرف الحضارمة ركوب البحار منذ وقت مبكر من تاريخهم ، وتواصلت صواري سفنهم الماخرة عباب البحار القريبة والبعيدة مع شعوب وامم كثيرة متعددة الأعراق والاجناس ، ومن خلال رحلات تواصلهم للتجارة والهجرة ، تراكمت لديهم كما هائلا من معارف ملاحية مهمة ، كما استفادوا من خبرات تلك الأمم والشعوب ، وأفادوا ونقلوا ايضا معارفهم الملاحية لشعوب وامم تواصلوا معها منذ أزمنة بعيدة وموغلة في القدم .

اشتهر الملاحون الحضارم بالاقدام والجسارة الى جانب خبرتهم بالنجوم وفنون الملاحة فقد تركوا من بعدهم تراثا كبيرا ومهما ، دلّت عليه تلك المصنفات الهامة نثرا منها أو نظما، وفي هذه الدراسة المتواضعة التي خصيت بها سقيفة الشبامي ، ومنتدى الحامي بناءا على رغبة من صديق و(( استاذ )) من أهل الحامي يقيم في عدن حين لمست منه أن منتدى أهالي الحامي يهتم بهذا الجانب من العلوم الملاحية البحرية عند عرب حضرموت . وخصص منتدى سمي ب (( الساعية )) يعنى بهذه الجوانب الملاحية .

وحين الكتابة عن رواد الملاحة البحرية ورموزها في حضرموت ، لا بد من الاشارة الى ابرز الملاحين الحضارمة الذين أضافوا الى مكتبة العلوم البحرية العربية رصيدا هائلا من العلوم البحرية ، والمعارف الملاحية .

إنه الربان الماهر الشيخ سليمان بن أحمد ( باعوين ) المهري ، والذي كان معاصرا للملاح العماني المشهور ابن ماجد النجدي (825-906 هـ ).

وكان كلا الشيخين الحضرمي سليمان المهري ، والعماني ابن ماجد النجدي ، قد خاضا تجربتهما الملاحية على سطح المحيط الهندي وبحر العرب ، وقد أثرت تلك التجربة الملاحية علوم المعارف الملاحية الفلكية العربية ، وبالرغم أنه لم تكن هناك بين الشيخين ( سليمان المهري – وابن ماجد ) أي اتصال كما يدعي بعض الباحثين الخليجيين أن المهري الحضرمي كان تلميذا لإبن ماجد العماني ، وفي هذا الصدد يرد الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف في كتابه في سبيل الحكم على من زعم بذلك ويقول:

(( الشيخان المهري وابن ماجد ، خاضا التجربة وعراكها على سطح المحيط الهندي ، ولكنهما عاشا في موقعين مختلفين ، فالمهري من قاطني ميناء الشحر الواقع على الشاطئ الجنوبي لجزيرة العرب ، وعلى مدخل خليج عدن وعلى خط طول 49 درجة 34 ق وعرض 14 درجة 44 ق . وابن ماجد من قاطني ميناء جلفار ( رأس الخيمة الآن ) الواقعة على خليج عمان بخط طول 56 درجة 4 ق وعرض 25 درجة 38 ق وليس بينهما فاصل زمني كبير يمكن الخلف من الابداع وتفنيذ آراء معاصره ، مع صعوبة التواصل بينهما وان تم هذا التواصل فلم يكن عميقا ومؤثرا على ما يبدو . فلم يشر كل من الشيخين للآخر في كتبه سواء على سبيل الذكر أو النقل او التفنيذ ، ففي الفترة التي يجرب ويختبر الاول البحر ويختزن حصيلته العلمية ويدون ملاحظاته ومعلوماته المستجده في سبيل ارشاداته كان الثاني يقوم بنفس التجربة وتتم معه نفس عملية تخزين الحصيلة العلمية، ولذلك عندما يقال ان المهري يشرح مايورد معاصره ابن ماجد من معلومات فانه انما يعمق ويضيف ايضا وفق تجربته هو واستنتاجاته في موقعه . فليس في هذا تقليد بل تأكيد لتجربة أبن ماجد واغناء لها فالاثنان كما قلنا خاضا التجربة على معترك واحد والاحرى القول ان مؤلفات المهري تأكيد لمعارف ابن ماجد وليس شرحاً لها ، وان منهجه في البحث هو اسلوب مفكري عصره عامة .

وقد ترعرع المهري وعاش على شاطئ المحيط الهندي يراقب هيجانه وهدوءه ويلاحظ تغيرات الانواء فيه وهبوب الرياح عليه .. ولذلك جاءت معارفه مستنبطه من التجربة الحقه فانه في مواقع كثيرة من كتابه (( العمدة المهرية في العلوم البحرية )) يؤكد على المعارف التجريبية فعنده ان التجربة أثبت وأوفى من النظرية والتي يكنيها بالمعارف العقلية ولكنه مع ذلك لايستهين بها . ولا يتم كمال المعرفة الا بتوافرهما معا وفي ذلك يقول ( فأن قيل أصح العقلي أم التجريبي أقول أي فأن قال قايل أي العلمين أصح العقلي ام التجريبي . قلت وفي بعض التجريب . وفي بعض العقل . أقول أي بعض العقليات أصح من بعض التجريبيات وبعض التجريبيات أصح من بعض العقليات وهذا البحث أعلى المراتب لانه يحتاج الى تمييز العقليات من التجريبيات وترجيح بعضهما على بعض وكذلك لمحققي الفن . قلت أما الدير والمواسم تجريب محض وتصوير الكواكب في الافلاك وقواعد الحساب في الاعداد و الارقاق وما تولد منهما عقل محض والقياسات والمسافات تجريب وعقل )).

وفي مقام آخر من نفس كتابه يقول :

(( أقول أي أصل علم البحر أنما هو مستخرج من نظر العقل مع استكمال التجربة وهما أصلان له )).

ومن خلال ايمانه بثبوت التجربة كأصل من اصول علم البحار وفن الملاحة فأنه لايقتنع بما اورده السلف ووضعه من نظريات . بل كان يطابق النظرية بتجربته فأن توافقت والا فأنه يعارضها .. ويعتمد ماجربه وفي ذلك يقول :

(( وأما وضعي من الاوزام في الترفات وما بين الاخنان التي وضعتها في كتابي المسمى بالمنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر فهو اقرب للصحة من صنعهم المتقدم ..)).
فالتجربة اساسية لاستكمال بلوغ اعلى المراتب في علم البحار . ومادام اساس علم الملاح المهري مصدره التجربة بتوافقها مع النظرية ، فان ماكتبه سلفه من الربابنة وعلماء الفلك . وهم الذين خاضوا التجربة في مواقع تختلف عن موقع تجربته واقاموا عليها نظرياتهم وعلمهم ان ما كتبه هؤلاء لا يتفق في بعضه مع ما توصل اليه من نتائج ووضعه من نظريات ، ولذا نشأ خلاف بيّن في المعارف ، ولم يناقشها احد من الباحثين ، فلقد كانت مصنفات ابن ماجد ومن سبقه من الرحالة والملاحين العرب اكثر شهرة وانتشاراً من مصنفات المهري التي اكتشفت ملحقة في مجلد واحد برسائل ابن ماجد )).

ويعود نسب سليمان بن احمد بن سليمان الى قبيلة آل باعوين المهرية ، والتي ينتمي لها الولي الصالح أحمد بن صالح باعوين المهري المدفون بالشحر، وإليه ينسب حي (( عقل باعوين )) بمدينة الشحر ، وقد أتخذت عائلات من قبيلة آل باعوين المهرية مدينة الشحر موطنا لها وأبلت هذه القبيلة بلاءا حسنا في الدفاع عن مدينة الشحر حين تعرضت لغزوات القراصنة البرتغاليون في القرن العاشرالهجري وقدمت من ابناءها الشهداء منهم الشهيد سالم بن صالح باعوين المهري الذي خصه بالذكر الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف في كتابه الشهداء السبعة نقلاً عن الملاح باسباع وهو من رجال القرن العاشر الهجري إي معاصر للشيخ وذكره بأنه مهري .

كان ظهور الشيخ سليمان المهري والشيخ سالم بن صالح باعوين في الشحر في النصف الأول من القرن العاشر الهجري وفي هذه الفترة كانت السلطنة الكثيرية في أوج قوتها تحت حكم السلطان بدر بن عبدالله الكثيري الملقب بأبي طويرق . والذي أنشأ أول اسطول بحري عسكري وتجاري في حضرموت .
وكانت الشحر من المراكز التعليمية في الهامة في جنوب الجزيرة العربية ، في الشحر تلقى الشيخ سليمان بن أحمد المهري علومه على يد كبار المشائخ وأظهر تفوقا في تحصيلها والإلمام بها خاصة علوم الفلك وشؤون الملاحة ، وهذا التفوق العلمي انعكس على مصنفاته القيمة عن الملاحة والعلوم الفلكية والبحرية ومن اهم مصنفات الشيخ سليمان المهري كتابه (( العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية )) ويرجع تاريخ تأليفها الى عام 917هـ . وينقسم كتاب العدة المهرية الى سبعة ابواب الاول منها يبحث في اصول الملاحة الفلكية والثاني عن النجوم والثالث عن الطرق البحرية والرابع عن الطريق الموصلة للجزر الكبرى ويبحث الخامس في قياس الجاه والفرقدين والنعش اما الباب السادس فيتناول الرياح الموسمية وقد خصص المؤلف الباب السابع والأخير للبحر الأحمر.

قال الشيخ سليمان المهري عن عمدته التي نسبها لنفسه (( العمدة المهرية لا لمجرد السجع ، بل لإبراز قيمة كتاب ، وضعه معلم شهير ، مجرب ، محقق ، مطلع على آراء أقرانه ، من الشرق والإفرنج … )).

لقد ظل كتاب العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية مغمورًا في المكتبة الأهلية بباريس إلى عام 1912م، حيث اكتشفت مخطوطتان، الأولى كانت موجودة بالمكتبة الأهلية منذ القرن الثامن عشر، والثانية كانت قد اشترتها المكتبة من أستاذ عربي كان يقيم بفرنسا، هو سليمان الجزائري عام 1860م، وقد اهتم بهاتين المخطوطتين جبرائيل فران G.ferrand وهو من كبار المتخصصين في تاريخ الملاحة في المحيط الهندي والشرق الأقصى.

وقد اهتم بهما الباحث الفرنسي «فران» ووضع مشروعًا متكاملًا لدراسة تلك المخطوطتين بعناية وصبر حتى أنجزه عام 1925م في عدة مجلدات. وقد نشر النصوص العربية بطريق التصوير أي دون تحقيق مباشر للنص, وقد القت تلك المخطوطة من كتاب العمدة المهرية الضوء على آفاق الملاحة العربية ووضع قواعد العلوم البحرية.

توفى الشيخ الربان سليمان بن احمد المهري في عام 950هـ 1553م ولم تلق مؤلفاته واجتهاداته وآرائه من الذيوع والاهتمام ، ويقول الاستاذ محمد عبدالقادر بامطرف :

(( فذلك يعود الى اسلوبه في التعبير وكثرة المفردات العامية بلغة اهالي الشحر ، المستعملة في الشرح والتذليل فيصعب على الباحثين العرب من غير الجنوبيين ادراك معانيها ومدلولها فقد استشهد الدكتور انور عبد العليم بقول الربان سليمان المهري عند الحديث عن هبوب رياح الكوس على ظفار بجملته (( لان ظفار معدن الكوس من الستين في النيروز )) ففهم منها ان الكوس يبدأمن يوم ستين من النيروز السنة البحرية والجملة كما جاءت في الكتاب العمدة – للربان المهري نفسه ( لان ظفار معدن الكوس من ستين في النيروز وقده موجود ) . فلم يفهم الدكتور انور عبد العليم معنى ( وقده ) فابتسر الجملة وافقد المقصود من قول المهري .. فأن لفظ قده في اللهجة العامية تعني الذي سبق كما مضى .. لازال مستمراً .. وبذلك فالمهري يريد القول ان الكوس تهب على ميناء ظفار قبل يوم ستين من النيروز ، فما ان يحين يوم ستين الا والرياح موجودة ومستمره .. كأن تكون بدايتها يوم اربعين او اقل.

لئن كان الجنوبيين ذو ريادة وخبرة بالمحيط الهندي منذ الحضارات الجنوبية القديمة فأن عصرهم الذهبي كان على عهد شيخهم المهري في القرن السادس عشر الميلادي . وجاء الخلف من بعده ليعمق التجربة ويستزيدها . فلم تتقوقع معارفهم ويقف من حيث ابدع شيخهم ورائدهم . بل تطورت بتطور وسائل الملاحة والمعرفة ، وبرز منهم ملاحون موهوبون عرفنا منهم الربان سعيد سالم باطايع ) المولود بميناء الحامي عام 1180هـ – 1766م ) الذي ترك لنا مرشداته البحرية القيمة ))..!!

في عام 1970م صدرت ضمن مطبوعات مجمع اللغة العربية في دمشق سلسلة (( العلوم البحرية عند العرب )) الجزء الأول (( كتاب العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية )) لسليمان بن أحمد بن سليمان المهري قام بتحقيق المخطوطة إبراهيم الخوري.

وصدر ايضا الجزء الثاني ضمن نفس السلسلة كتاب (( المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر )) . ثم صدر الجزء الثالث من سلسلة العلوم البحرية عند العرب ضم ثلاثة كتب مهمة ومفيدة وتأتي تكملة لكتاب (( العمدة المهرية )). وهي :

1 – رسالة قلادة الشموس واستخراج قواعد الأسوس
2- تحفة الفحول في تمهيد الأصول في أصول البحر
3- كتاب شرح تحفة الفحول في تمهيد الأصول في علم البحر

وتلك الكتب التي ألفها الشيخ سليمان المهري جاءت متممة لكتابه (( العمدة المهرية )) جاء في تمهيد محقق المخطوطات ( ابراهيم الخوري ) هذه النبذة التعريفية :

(( وسليمان المهري معلم ماهر يفوق ابن ماجد علما ، ولايقل عنه تجربة ، فاسلوبه بخلاف أسلوب إبن ماجد ، موضوعي بحت ، خال من الحشر والاستطراد ، والتبجح وإدعاء المعرفة ، ونزعته علمية تجريبية ونظرية بآن واحد ، يلمها القارئ في جميع كتبه بلا استثناء )) وقال : (( ولايحتاج المرء الى عناء كبير لكشف مصادر المهري ، فهو نفسه يعلن عنها ، ولاشك أنه عرف جيدا الرهمانجات والاراجيز البحرية العربية ، كما جاء صراحة في مقدمة عمدته (( فإني لما رأيت علم البحر قليل تأليف كتبه المحققة ، بل في روايات ملفقة وأراجيز مفرقة ..))

ويقول ايضا في شرح التحفة أنه رجع الى علوم شتى ، عند كتابته فيقول : (( بل استخرجته من علوم شتى وجمعته لنفسي ولسائر الأخوان .. ولم يكتف المهري بالمصادر العربية بل عاد ايضا إلى مراجع أجنبية هندية وافريقية ( القمر ) وحتى برتغالية ، ويبدو أنه كان ملما ببعض اللغات فهو يذكر احيانا مذاهب الجوشك ، والكتكيين ، والجوزراتيين ، والشوليان ، ويتبنى أحيانا رأي معالمة القمر ويشير إلى أقوال الإفرنج ( البرتغاليين ) في بعض المواضيع ، واكتسب المهري شهرة واسعة في المحيط الهندي ، فنقلت مؤلفاته الى اللغة التركية ، وإلى بعض اللغات الهندية ، وكان الهنود يحتجون به ، ويروون جمله حرفيا مسندة إليه فيكون هذا المعلم قد أخذ من العلوم البحرية الأجنبية واعطاها …))

اعتمد الملاحون في حضرموت وبقية مناطق جنوب الجزيرة العربية والخليج على طرق الملاحة التقليدية التي تعتمد على معرفة وثيقة بأصول علم الفلك والاهتداء بالنجوم الملاحية ومجموعاتها ، وقياس ميل الشمس في البروج وبمنازل القمر وطلوعها وغروبها على تقويم النيروز ، وعلى تقسيم الدائرة الأفقية الى 32 جزءا ، تسمى ب ( الاخنان ) وهي توافق مطالع ومغارب نجوم الملاحة .

وكذلك على الديرة الملاحية وعلى معرفة بالازوام وترفات الاخنان والمسافات وهذه جميعها تدخل تحت مصطلح الملاحة الفلكية والتي يتم فيها الاهتداء بمجموعة من نجوم السماء في الليالي الصافية ، وتظهر اكثر النجوم الملاحية بالقرب من مجموعات نجمية معروفة لذلك يسهل التعرف عليها وقد تخيل العرب هذه المجموعات النجمية على اشكال الانسان او الحيوان او الجماد اذا ما وصلت نجومها بخطوط مميزة انظر كتاب المهري (1).

(( وحصروا هذه الكواكب في ثمانية وأربعين صورة من صور الحيوانات وغيرها ، منها في الشمال إحدى وعشرون صورة وفي المنطقة اثناعشر صورة وهي البروج ، وفي الجنوب خمسة عشر صورة ، ومن أراد الوقوف عليها فليطلبها في كتاب الصور ومذكورات ايضا في كتب الهيئة ..))(2) .

ويقصد المهري بكتاب الصور ما دونه عالم الفلك العربي عبدالرحمن الصوفي في القرن الرابع الهجري في كتابه (( صور الكواكب )) وذكر منها على سبيل المثال المجموعات الآتية.

1- مجموعة الدب الاكبر وهي من المجموعات الهامة إذ يمكن التعرف منها على النجم القطبي ( الجاه ) برسم خط يمر خلال الدليلين أما النعش فهي النجوم الثلاثة المرموز لها اليوم بحروف الفا وبيتا وجاما من هذه المجموعة .

2- مجموعة الفرس الاعظم والضلع الذي يصل بين النجمين الفارس والغنيب من هذه المجموعة يكاد ينطبق على خط الزوال المار بنقطة الاعتدال الربيعي ويستفاد بهذه المجموعة ايضا في التوقيت النجمي

ومن النجوم ذات الاهمية الخاصة نجم العيوق ( capella ) ويقع على بعد 45 درجة تقريبا من القطب الشمالي من الناحية المضادة للدب الاصغر ويكون مع الجوزاء ومقدم التوأمين مثلثا متساوي الاضلاع تقريبا.

وتنحصر اهمية النجم القطبي او الجاه Polaris في ان ارتفاعه يكون مساويا لخط العرض ويقع على امتداد الخط الذي يمر بالفرقدين.

الأخنان

قسم الفلكيون العرب الدائرة الافقية المحيطة بسطح الارض عند التقاء السماء بالأفق الارضي والمتقاطعة مع دائرة معدل النهار وخط الاستواء في التقسيم الملاحي العربي الى 32 جزءا متساويا وكل جزء منها يعرف بالخن وكل خن منها يشير الى مطلع او مغيب نجم معين ويمثل الخن الواحد سبعة اقسام من محيط الدائرة الملاحية قال الشيخ سليمان المهري :

(( أتفق معالمة البحر الهندي وهم والعرب والهرامزة وأهل الهند ، والشوليان والزنوج ، وكذا معالمة الغرب كالمغاربة والإفرنج والروميين ، على تجزأة الدورة بإثنين وثلاثين جزءا ، وسموا كل جزء منها خنا لمناسبة اخنان المركب ، وهي أجزاؤه ..)) (3) .

وبمعنى تقسيم دائرة الافق حسب الجهات الأربع الأصلية وفروعها الى 32 جزءا هي المعروفة بالاخنان وهذا التقسيم ثبته الغربيون في بوصلة الملاحة لتعيين الاتجاه بالمدرجات بدلا من مطالع ومغارب النجوم

وتشير اخنان الدائرة العربية المحصورة بين قطب الجاه ( الشمال ) وقطب سهيل ( الجنوب ) من ناحية الشرق مطالع الكواكب الآتية بالترتيب من الشمال الى الجنوب:

الفرقد – النعش- الناقة – العيوق- الواقع- السماك- الثريا – الطائر – الجوزاء النير- الاكليل – العقرب – الحمارين – سهيل – السليبار وصارت تلك الأخنان أعلاما بارزة

الديرة :
==

كلمة ديرة فهي في الاصطلاح البحري والملاحي لها اكثر من معنى منها
(( الديرة على قسمين : ديرة مُل ، وديرة مَطلق ، وكل منهما إما حقيقة أو مجازية ، فالحقيقة هي المجرى في أحد الأخنان أو كسره مواز لذلك البر ..))(4) .

والديرة عند العرب القدامى والمحدثين تعني ايضا بوصلة الملاحة نفسها والديرة في مصطلح الملاحة تعني ايضا مرحلة ملاحية وبدورها تنقسم الى قسمين:

أ – ديرة المُل وهي الخط البحري الموازي للساحل وفيه لايغيب الساحل عن نظر النوخذة .
ب – ديرة المطلق ومعناها المرحلة الملاحية التي تصل بين برين او جزيرتين او راسين بحيث لايرى النوخذة فيها الساحل بين المرحلتين ويكون اغلب سيره في البحر الطليق بالنجوم.

وحول الآفات التي تفسد الديرة يذكر الشيخ سليمان المهري منها :

(( الأولى : موجة العولي وهي الموجة البحرية التي تأتي من عرض المركب في مجارات البرور بأي بر كان ، فيحتال المركب خصوصا إذا كان الريح شوارا ، وكان المركب ثقيلا ، فلايمهلك البر فكن حذرا ..
والآفة الثانية من مفسدات الديرة غفلة صاحب الدرك ، وهو المعلم عن ضبط المجرى ، وذلك إما لكثرة النوم أو لقلة الطلبة على صاحب السكان ، ويكون ذلك منه إما تهاونا ، أو عدم معرفة ، ويلزم المعلم ضبط المجرى في الديرة والأماكن الضيقة )) (5).

الأزوام

الزام في عرف علم الملاحة البحرية هو قطع جزء من ثمانية أجزاء من مسافة يوم بليلة ، يقول الشيخ سليمان المهري :

(( ينقسم الزام الى قسمين أحدهما الزام العرفي ، وهو المعروف عند العامة بربع النهار أو الليل ، وهو ثلاث ساعات زمانية ، والثاني الزام الاصطلاحي ، وهو الذي اصطلحه معالمة البحر لضبط علومهم البحرية ، أقول : إن حد الزام العرفي هو مشي مركب بريح غامز معتدل ثمن يوم بليلته ، وهذا الزام لايحسب به قطع المسافة الحقيقية ، فلهذا كان عرفيا عند العامة استعملا كان أو فرضا (6) .

وعن مذهب العرب والهرامزة والجواشك ، حول الأزوام الموضوعة للملاحة البحرية يقول الشيخ سليمان المهري : (( أن من القطب للعيوق ما بين كل خنين زامان ، وبين العيوق والواقع أربعة أزوام ، وبين الواقع والسماك خمسة أزوام ، وبين السماك والثريا خمسة أزوام ايضا ، وبين الثريا والطائر عشرة أزوام ..)) (7) .

اضافة الى ذلك تفوق الملاحين العرب في علم الاشارات والذي يشمل معرفة الرياح السائدة ومواسمها واتجاهاتها ومواعيد السفر المناسبة للبحار المختلفة والتيارات البحرية والمد والجزر وطبيعة البحار المشهورة واعماق المياه في المراسي والموانئ المختلفة حول الجزر وطبيعة قيعان المراسي والمواني المختلفة من طين وصخور وشعب مرجانية كما يستدل على قرب الشاطئ بمشاهدة انواع الطيور والاعشاب والاخشاب الطافية في الماء والاسماك وكلها تقع ضمن علم الاشارات . يقول الشيخ سليمان المهري :

(( في معرفة علامات قرب بر العرب والسومال ( الصومال ) أما بر العرب فهو بين المصيرة والشحر ، وأما بر السومال فهو من جاه خمس ، اعني ظهر سقطرى إلى بر السواحل، فعلامة هذه البرور ثلاثة أنواع طيور وحيتان ونبت البحر ، وأما بر العرب فمن علامة قربه من الطيور الكريك والضفيك ، ومن الحيتان اللزاق الكبير الذي يصطاد ، والطباقة ، ومن النبات القرمط والقلحف ، وإما علامة بر السومال ( الصومال ) من الطيور المنجى والكريك ، والكسلان ، والدّاغات إذا كثروا ، ومن الحيتان اللزاق الكبير ، والطباقة ، وفرس البحر ، والعجم ، ومن النبت القرمط والقلحف … أما إذا كنت بين تاج باري وبر السيام فترى أخشابا كثيرة جذوع النخل تحسبها سنابيق ، يقال لها نيفا ، وهي علامة بر السيام ، وشرط جميع العلامات المذكورة صحة الرؤية وهي رؤية واحد أو أكثر وهم ثقات عارفون نوع العلامات المذكورة، وإما غير الثقة ، والذي ليس بعارف للعلامة لقلة أسفاره ، فلا عبر برؤيته..))

لم تقتصر علوم الملاحة البحرية على معالمة القرن العاشر الهجري ، والذين يعد قرنهم من قرون الإزدهار في تاريخ حضرموت ، فقد تركت تلك الكوكبة من علماء القرن العاشر عصارة معارفهم وابداعهم وعلومهم في شتى المجالات ، ومنها العلوم التجريبية في الملاحة البحرية وتركوا مصنفات منها بقية باقية الى اليوم ، وتواصلت تلك العلوم والمعارف بين ربابنة البحر في مدن حضرموت الساحلية كالشحر والحامي وقصيعر ، وبرزت مدينة الحامي بدور كبير في الريادة و الملاحة.

وقد ذكر الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف دور أهل الحامي الرائد في الملاحة البحرية بين الملاحين الحضارم , وتناول بالتفصيل نشاط وتراث أبرز الملاحين منهم , الملاح عوض أحمد بن عروه , والملاح عمر عبيد باصالح والملاح محمد عوض عيديد ، و أشار الى ماتعرض له الملاحون من أهل الحامي كغيرهم من الملاحين الحضارم واليمنيين والعمانين للخطف والقتل على أيدي القراصنة البرتغاليين ، وكيف كان صودهم في مواجهة كافة أشكال القرصنه البحرية البرتغالية .
ومن أشهر الملاحين الذين أسهموا في وضع المرشدات البحرية وتطوير المعرفة البحرية المتعلقة بوصف مجاري الملاحة البحرية هو الشيخ سعيد بن سالم باطايع ( مولده بالحامي سنة 1180هـ ) ، والذي نظم مرشدتين بحريتين ، كانت الأولى في وصف الطريق الملاحي من ميناء سيحوت إلى جزيرة زنجبار بشرق أفريقيا. أما المنظومة الملاحية الثانية فقد كانت وصفا ملاحيا لمجاري الملاحة من ميناء مسقط العماني إلى ميناء المخا اليمني .

وحوت المنظومتين على إشارات للمجاري البحرية في تلك البحار والممرات المائية ، وعلى الشواطئ الممتدة من عمان إلى اليمن وشرق أفريقيا، كما اشارت إلى الجبال والرؤوس البحرية والخلجان والشعاب الخطرة المغمورة بالماء والضحلة في الأماكن البحرية الساحلية، ومناطق التيارات البحرية والرياح.

حظي الشيخ الملاح سعيد بن سالم باطايع على شهرة وصيت كبيرين ، ذلك من خلال منظومتيه ( رباعياته ) التي حوت على ملخص موجز وبسيط للإرشادات ملاحيه جاءت بلغته مفهومة وسلسة ومقبولة عند الملاحين الحضارمة وغير الحضارمة ، فالمنظومة الأولى وضعها سنة 1802م وكانت وصفا للملاحة من سيحوت الى جزيرة زنجبار في شرق افريقيا ، حوت على تسع وعشرين رباعية قال فيها :

يـــارب سـالــك تـسـهـل مـــا عــســرعـلــى عـبـيـدك وســـط بـحــراً وبـــر
بـجــاه طـــه الـنـبــي خــيــر الـبـشــررحــيـــم قــــــدوس ســـالـــك يـــاســـلام
وبــعـــد يــاصـــاح اســمـــع مـانــقــوللاغابت الشمس صلوا عالرسول
نـــــقــــــول يالله بـــتــــوبــــه والـــقــــبــــولأغفـر وسامـح وسهـل فـي الـكـلام
سـيـحـوت مـنـهـا شـمـرنـا بـالـعـشـيمــن بـعـد مـاقـد قضيـنـا كــل شـــي
والقبض فـي مطلـع العقـرب وفـيمــــن بــعـــد لـيــلــه نــوفـــي كـــــل زام
نجـم الحماريـن هــب الغـيـث يــومشـــف ليـلـتـك باتـبـيـن لـــك رســــوم
اوضـاح بعـده ثـلاثـه فــي النـجـوموعـبـد الـكــوري تـظـهـر لـــك تـمــام
جاك حافون يأتيك عالـي مرتفـعمـــن بـعــد مـاقــد تـأخــر لـــك دفـــع
سهيـل الأخـضـر قبـضـه واستـمـعمــولــى الــــدرك يحـتـكـمـلـه لايــنـــام

وفي عام 1805م وضع منظومته الثانية التي يصف فيها السفر من ميناء مسقط العماني الى ميناء المخا اليمني , وقد بدأ منظومته بقوله:

يـــــــــــــــــــــاالله يــــــــــــــــــــــاربأدعــوك ياخـيـر مطـلـب
تـــــعـــــطــــــي وتــــــــوهــــــــبســالـــك بــخــيــر الــبــريــه
رحــــــــــيــــــــــم قــــــــــــــــــــدوساكشف لنا الهم والبؤس
فـــــــــي هـــــــــذه الـــــــــروسنـعـبــر بــاخـــلاص نــيـــه

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!